وصف المدون

إعلان الرئيسية

الصفحة الرئيسية الاضطراب ثنائي القطب - الأعراض والأنواع والعلاج | دليلك الشامل

الاضطراب ثنائي القطب - الأعراض والأنواع والعلاج | دليلك الشامل

هل تمر بفترات تشعر فيها بتقلبات حادة في مزاجك؟ أوقات تملؤك فيها طاقة وحماس غير عاديين تليها أيام من الحزن العميق وفقدان الاهتمام بكل شيء؟ جميعنا نمر بتقلبات مزاجية لكن حين تكون هذه التقلبات شديدة وتؤثر على حياتك اليومية وعلاقاتك فالأمر يتجاوز مجرد "يوم سيء". هذه قد تكون علامات الاضطراب ثنائي القطب.

الاضطراب ثنائي القطب - الأعراض والأنواع والعلاج | دليلك الشامل
الاضطراب ثنائي القطب - الأعراض والأنواع والعلاج | دليلك الشامل

الاضطراب ثنائي القطب المعروف سابقًا بـ "الهوس الاكتئابي" هو حالة صحية نفسية تسبب تغيرات ملحوظة في المزاج والطاقة ومستوى النشاط والقدرة على التركيز. هذه الحالة ليست نادرة، إذ تؤثر على ملايين الأشخاص حول العالم وتعتبر حالة مزمنة تحتاج إلى إدارة وعلاج مستمرين مدى الحياة. تأثيرها يمتد ليشمل قدرتك على أداء مهامك اليومية، سواء في العمل أو الدراسة أو حتى في علاقاتك الشخصية.

هدفنا في هذا المقال هو تزويدك بمعلومات واضحة وموثوقة حول الاضطراب ثنائي القطب. حيث سنستعرض معاً الأعراض المختلفة وأنواع الاضطراب والأسباب المحتملة وكيفية التشخيص وخيارات العلاج المتاحة، بالإضافة إلى نصائح عملية للتعايش مع هذه الحالة. هدفنا هو تمكينك بالمعرفة اللازمة لفهم هذا الاضطراب بشكل أفضل سواء كنت تعاني منه شخصيًا أو تعرف أحدًا يمر به.

ما هو الاضطراب ثنائي القطب؟

لفهم الاضطراب ثنائي القطب بشكل أعمق تخيل أن المزاج يتأرجح بين قطبين متضادين: قطب "الارتفاع" المتمثل في الهوس (Mania) أو الهوس الخفيف (Hypomania)، وقطب "الانخفاض" المتمثل في الاكتئاب (Depression). الأهم هنا أن هذه التقلبات ليست مجرد تغيرات مزاجية عابرة بل هي نوبات واضحة ومحددة تستمر لفترات زمنية معينة قد تكون أيامًا أو أسابيع.

خلال هذه النوبات تكون المشاعر قوية ومكثفة وتصاحبها تغيرات ملحوظة في السلوك ومستويات الطاقة والنشاط بشكل يلاحظه الآخرون من حولك. بين هذه النوبات قد يعود المزاج إلى حالته الطبيعية والمستقرة. لكن بدون علاج مناسب تصبح هذه النوبات أكثر تكرارًا مع مرور الوقت مما يزيد من صعوبة إدارة الحياة اليومية.

يؤثر الاضطراب ثنائي القطب بشكل كبير على قدرة الشخص على أداء وظائفه الطبيعية في مختلف جوانب الحياة، سواء في العمل أو الدراسة أو العلاقات الاجتماعية. وتشير الإحصائيات إلى أن نسبة كبيرة من المصابين يعانون من صعوبات جدية في حياتهم نتيجة لهذه الحالة.

ما هي أعراض الاضطراب ثنائي القطب؟

تختلف أعراض الاضطراب ثنائي القطب من شخص لآخر وتعتمد بشكل كبير على نوع النوبة التي يمر بها. بشكل عام تنقسم الأعراض إلى ثلاث فئات رئيسية:

  1. أعراض الهوس.
  2. أعراض الهوس الخفيف.
  3. أعراض الاكتئاب.

وفي بعض الحالات يعاني الشخص من أعراض مختلطة تجمع بين الهوس والاكتئاب في نفس الوقت. تستمر هذه الأعراض معظم اليوم وتقريبًا كل يوم، طوال فترة النوبة.

أعراض نوبة الهوس

نوبة الهوس هي فترة من الارتفاع الشديد وغير الطبيعي في المزاج والطاقة. تختلف هذه الحالة بشكل كبير عن الحالة المعتادة للشخص وتستمر لمدة أسبوع على الأقل أو تكون شديدة لدرجة تتطلب الدخول إلى المستشفى لتجنب إيذاء النفس أو الآخرين.

تتضمن علامات نوبة الهوس ثلاثة أو أكثر مما يلي:

  • شعور مفرط بالسعادة أو الابتهاج
  • تهيج شديد أو حساسية مفرطة
  • زيادة كبيرة في الطاقة والنشاط
  • الشعور بالنشاط الزائد أو التوتر
  • تضخم الأفكار أو تسارعها (تطاير الأفكار)
  • التحدث بسرعة كبيرة والانتقال بين المواضيع
  • انخفاض الحاجة إلى النوم
  • تشتت الانتباه بسهولة
  • زيادة الانخراط في الأنشطة
  • الشعور بالعظمة أو القوة غير العادية
  • سوء تقدير الأمور وسلوكيات محفوفة بالمخاطر

في الحالات الشديدة من الهوس يعاني الشخص أحيانًا من أعراض ذهانية مثل الأوهام (كأن يعتقد أنه شخص مشهور جدًا أو يمتلك قوى خارقة) أو الهلاوس (رؤية أو سماع أشياء غير موجودة).

أعراض نوبة الهوس الخفيف

الهوس الخفيف هو شكل أقل حدة من الهوس. أعراضه تشبه أعراض الهوس لكنها تكون أقل شدة وتستمر لمدة أقصر (أربعة أيام متتالية على الأقل). والأهم من ذلك أن الهوس الخفيف لا يسبب عادةً مشاكل كبيرة في الأداء الوظيفي أو الاجتماعي ولا يتطلب الدخول إلى المستشفى.

على الرغم من أن التغير في المزاج والسلوك يكون ملحوظًا للآخرين إلا أن الشخص المصاب بالهوس الخفيف قد لا يدرك التغيير أو قد يشعر بأنه أكثر إنتاجية ونشاطًا من المعتاد. تشمل الأعراض - بشكل عام - ما يأتي:

  • المزاج المرتفع
  • زيادة الطاقة
  • قلة الحاجة للنوم
  • زيادة الكلام

ولكن تكون هذه الأعرض بدرجة أقل من الهوس الكامل.

أعراض نوبة الاكتئاب الكبرى

نوبة الاكتئاب الكبرى هي فترة من الحزن الشديد أو اليأس أو فقدان الاهتمام والمتعة في الأنشطة المعتادة. تستمر هذه النوبة لمدة أسبوعين على الأقل وتؤثر بشكل كبير على قدرة الشخص على العمل والحياة.

تتضمن أعراض نوبة الاكتئاب الكبرى خمسة أو أكثر من العلامات التالية:

  • الشعور بالحزن الشديد أو الفراغ أو اليأس
  • فقدان الاهتمام أو المتعة في معظم الأنشطة
  • تغيرات كبيرة في الشهية أو الوزن
  • مشاكل في النوم (أرق أو نوم مفرط)
  • الشعور بالتململ أو البطء الشديد
  • التعب الشديد أو فقدان الطاقة
  • الشعور بانعدام القيمة أو الذنب المفرط
  • صعوبة في التفكير أو التركيز أو اتخاذ القرارات
  • التفكير في الموت أو الانتحار

كما هو الحال في الهوس الشديد قد تصاحب نوبات الاكتئاب الشديدة أعراض ذهانية مثل الأوهام المتعلقة بالشعور بالذنب أو الاعتقاد بالتعرض للخراب المالي أو الإصابة بمرض خطير.

الأعراض المختلطة والذهان

من المهم أن تعرف أنه في بعض الأحيان يعاني الشخص من أعراض الهوس (أو الهوس الخفيف) وأعراض الاكتئاب في نفس الوقت أو بشكل متتابع وسريع خلال نفس النوبة. يُعرف هذا بـ "النوبة ذات السمات المختلطة" (Episode with Mixed Features). هذه الحالة يمكن أن تكون مربكة وصعبة بشكل خاص حيث يشعر الشخص بطاقة عالية ونشاط زائد، ولكنه في نفس الوقت يشعر بالحزن واليأس مما يؤدي غالبًا إلى تهيج شديد وزيادة خطر الأفكار الانتحارية.

وكما ذكرنا يمكن أن تحدث الأعراض الذهانية (Psychosis) مثل الهلاوس والأوهام خلال نوبات الهوس الشديدة أو نوبات الاكتئاب الشديدة. هذه الأعراض تعكس عادةً الحالة المزاجية للشخص؛ ففي الهوس ترتبط الأوهام بالعظمة والقوة وفي الاكتئاب ترتبط بالذنب أو العدمية.

ما هي أنواع الاضطراب ثنائي القطب؟

الاضطراب ثنائي القطب ليس حالة واحدة متجانسة بل هو طيف من الحالات التي تختلف في شدة ونمط نوبات المزاج. يعتمد تحديد نوع الاضطراب ثنائي القطب الذي يعاني منه الشخص على طبيعة النوبات التي مر بها. الأنواع الرئيسية هي:

الاضطراب ثنائي القطب من النوع الأول (Bipolar I Disorder)

يُشخص هذا النوع إذا كان الشخص قد مر بنوبة هوس واحدة على الأقل في حياته. نوبة الهوس هذه يجب أن تستمر لمدة 7 أيام على الأقل أو تكون شديدة لدرجة تتطلب البقاء في المستشفى.

الأشخاص المصابون بالنوع الأول يعانون عادةً أيضًا من نوبات اكتئاب كبرى (تستمر أسبوعين على الأقل) وقد يمرون أيضًا بنوبات هوس خفيف أو نوبات ذات سمات مختلطة. لكن وجود نوبة هوس كاملة هو الشرط الأساسي لتشخيص هذا النوع.

الاضطراب ثنائي القطب من النوع الثاني (Bipolar II Disorder)

يتميز هذا النوع بوجود نمط من نوبات الاكتئاب الكبرى ونوبات الهوس الخفيف. النقطة الجوهرية هنا هي أن الشخص المصاب بالنوع الثاني لم يسبق له أن مر بنوبة هوس كاملة.

تكون نوبات الهوس الخفيف أقل حدة من نوبات الهوس الكاملة ولا تسبب نفس الدرجة من المشاكل في الحياة اليومية أو تتطلب دخول المستشفى. وغالبًا ما تكون نوبات الاكتئاب هي الأكثر إزعاجًا وتأثيرًا على حياة الشخص المصاب بالنوع الثاني.

اضطراب دوروية المزاج (Cyclothymic Disorder / Cyclothymia)

يُشخص هذا الاضطراب عندما يعاني الشخص من فترات عديدة من أعراض الهوس الخفيف وفترات عديدة من أعراض الاكتئاب لمدة عامين على الأقل (أو عام واحد للأطفال والمراهقين).

تكون الأعراض هنا أقل حدة من نوبات الهوس الخفيف أو الاكتئاب الكبرى الكاملة أي أنها لا تستوفي معايير التشخيص الكاملة لتلك النوبات. يتميز هذا الاضطراب بتقلبات مزاجية مزمنة ولكنها أقل تطرفًا من النوع الأول أو الثاني.

جدول مقارنة بين أنواع الاضطراب ثنائي القطب الرئيسية
النوع السمة الرئيسية نوبات الهوس نوبات الهوس الخفيف نوبات الاكتئاب التأثير على الحياة
النوع الأول (Bipolar I) نوبة هوس واحدة على الأقل نعم (شديدة) ممكنة شائعة تسبب مشاكل واضحة في الأداء الوظيفي والاجتماعي، قد تتطلب دخول المستشفى، وقد تتضمن الذهان
النوع الثاني (Bipolar II) نوبة هوس خفيف واحدة على الأقل + نوبة اكتئاب شديد واحدة على الأقل. لا يوجد هوس كامل. لا نعم (أقل شدة) نعم (شديدة) قد لا يسبب الهوس الخفيف مشاكل كبيرة، لكن الاكتئاب الشديد والمتكرر يمكن أن يكون مرهقًا جدًا.
اضطراب المزاج الدوري (Cyclothymia) تقلبات مزاجية مستمرة (أعراض هوس خفيف وأعراض اكتئاب) لا ترقى لنوبات كاملة، لمدة سنتين على الأقل لا أعراض فقط أيضاً أعراض فقط تسبب تقلبات مزاجية مزمنة تؤثر على الأداء ولكنها أقل حدة من النوع الأول والثاني

أنواع أخرى محددة وغير محددة

توجد فئة تشخيصية للأشخاص الذين يعانون من أعراض تشبه أعراض الاضطراب ثنائي القطب ولكنها لا تتطابق تمامًا مع معايير الأنواع الثلاثة المذكورة أعلاه. مثلًا يعاني الشخص من نوبات هوس خفيف متكررة دون نوبات اكتئاب كبرى أو تكون النوبات أقصر من المدة المطلوبة للتشخيص.

من المهم أيضًا ذكر مصطلح "التدوير السريع" (Rapid Cycling). هذا ليس نوعًا منفصلاً من الاضطراب بل هو وصف لنمط معين يمكن أن يحدث في النوع الأول أو الثاني ويعني مرور الشخص بأربع نوبات مزاجية أو أكثر (هوس، هوس خفيف، اكتئاب) خلال فترة 12 شهرًا.

ما أسباب الاضطراب ثنائي القطب وعوامل الخطر؟

لا يزال السبب الدقيق وراء الإصابة بالاضطراب ثنائي القطب غير مفهوم تمامًا لكن الأبحاث تشير إلى أنه ينتج عن تفاعل معقد بين مجموعة من العوامل المختلفة.

العوامل الوراثية والجينية

تلعب الوراثة دورًا مهمًا في هذا الاضطراب؛ فوجود تاريخ عائلي للإصابة بالاضطراب ثنائي القطب أو الاكتئاب يزيد بشكل كبير من احتمالية إصابة الشخص. وتشير الدراسات إلى أن حوالي 80% إلى 90% من الأشخاص المصابين لديهم قريب من الدرجة الأولى (أب، أم، أخ، أخت) مصاب بأحد هذين الاضطرابين.

ومع ذلك هذا لا يعني أن كل من لديه تاريخ عائلي سيصاب بالمرض حتمًا. يُعتقد أن الأمر يتعلق بتفاعل مجموعة من الجينات المختلفة مع عوامل أخرى وليس جيناً واحداً فقط. وتستمر الأبحاث لتحديد الجينات المحددة التي تزيد من الاستعداد للإصابة.

العوامل البيولوجية

هناك أدلة تشير إلى وجود اختلافات في بنية الدماغ ووظيفته لدى الأشخاص المصابين بالاضطراب ثنائي القطب على الرغم من أن أهمية هذه الاختلافات لا تزال قيد الدراسة. ويُعتقد أيضًا أن اختلال توازن المواد الكيميائية في الدماغ المعروفة بالنواقل العصبية (مثل السيروتونين والنورإبينفرين والدوبامين، يلعب دورًا في تنظيم المزاج وقد يكون له علاقة بأعراض الاضطراب.

تستهدف العديد من الأدوية المستخدمة في العلاج إعادة توازن هذه النواقل العصبية. وقد تكون هناك أيضًا روابط بين الاضطراب ثنائي القطب واختلالات هرمونية معينة منها مشاكل الغدة الدرقية التي قد تحدث بالتزامن مع الاضطراب أو تؤثر عليه.

العوامل البيئية والمحفزات

بالنسبة للأشخاص الذين لديهم استعداد وراثي أو بيولوجي للإصابة يمكن لبعض العوامل البيئية أو أحداث الحياة أن تكون بمثابة "محفزات" (Triggers) لظهور النوبة الأولى أو النوبات اللاحقة. تشمل هذه المحفزات الشائعة:

  • أحداث الحياة المجهدة
  • التعرض لصدمة نفسية أو جسدية
  • تعاطي الكحول أو المخدرات
  • اضطرابات النوم أو قلته
  • الإصابة بأمراض جسدية

يتضح من ذلك أن الاضطراب ثنائي القطب ينشأ غالبًا نتيجة تفاعل معقد بين الاستعداد الوراثي للشخص والعوامل البيولوجية داخل دماغه، بالإضافة إلى تعرضه لمحفزات بيئية معينة. هذا التفاعل بين "الطبيعة" (الجينات والبيولوجيا) و"التنشئة" (البيئة والتجارب) هو ما يفسر لماذا قد يصاب شخص بالمرض بينما لا يصاب به شخص آخر قريب له لديه نفس الاستعداد الوراثي تقريبًا.

كيف يتم تشخيص الاضطراب ثنائي القطب؟

لا توجد فحوصات دم أو أشعة دماغية يمكنها تأكيد تشخيص الاضطراب ثنائي القطب بشكل قاطع. وبدلًا من ذلك يعتمد التشخيص على تقييم شامل يقوم به طبيب نفسي أو أخصائي صحة نفسية مؤهل.

التقييم السريري

يجري الطبيب مقابلة مفصلة معك للحديث عن الأعراض التي تعاني منها حاليًا وتلك التي مررت بها في الماضي. سيركز بشكل خاص على نوبات المزاج (الهوس، الهوس الخفيف، الاكتئاب)، مدتها وشدتها وتأثيرها على حياتك اليومية وعلاقاتك.

كما سيستخدم الطبيب المعايير التشخيصية المحددة في الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية (DSM-5) للمساعدة في تحديد التشخيص.

يجمع الطبيب أيضًا معلومات حول تاريخك الطبي الشخصي والعائلي مع التركيز على وجود أي حالات صحية نفسية أخرى لديك أو لدى أفراد عائلتك خاصة اضطرابات المزاج مثل الاكتئاب أو الاضطراب ثنائي القطب.

في بعض الأحيان تكون المعلومات من أفراد العائلة أو الأصدقاء المقربين مفيدة جدًا لأنهم قد يلاحظون تغيرات في المزاج أو السلوك قد لا تكون أنت على دراية بها خاصة خلال نوبات الهوس أو الهوس الخفيف.

استبعاد الحالات الأخرى

جزء مهم من عملية التشخيص هو التأكد من أن الأعراض ليست ناتجة عن حالة طبية أخرى. لهذا السبب يطلب الطبيب أحيانًا إجراء فحص جسدي وبعض الفحوصات المخبرية مثل تحاليل الدم أو اختبارات وظائف الغدة الدرقية لاستبعاد أي مشاكل صحية قد تسبب أعراضًا مشابهة لأعراض الاضطراب ثنائي القطب (مثل أمراض الغدة الدرقية أو الاضطرابات العصبية أو تأثير تعاطي بعض المواد).

كما يجب على الطبيب التمييز بين الاضطراب ثنائي القطب وحالات صحية نفسية أخرى قد تتشابه أعراضها معه مثل الاكتئاب الشديد (أحادي القطب) أو اضطرابات القلق أو اضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط (ADHD)، أو اضطرابات الشخصية أو الفصام.

التشخيص الخاطئ شائع وغالبًا ما يتم تشخيص الحالة في البداية على أنها اكتئاب فقط مما يؤخر الحصول على العلاج المناسب لسنوات. المفتاح الرئيسي للتمييز هو البحث الدقيق عن تاريخ من نوبات الهوس أو الهوس الخفيف في حياة الشخص.

صعوبات التشخيص

يكون تشخيص الاضطراب ثنائي القطب صعبًا أحيانًا لعدة أسباب. كما ذكرنا يتأخر التشخيص الصحيح غالبًا لسنوات بمتوسط يصل إلى حوالي 9 سنوات من أول نوبة لأن الكثير من الناس يطلبون المساعدة فقط خلال نوبات الاكتئاب.

نوبات الهوس الخفيف - على وجه الخصوص - تكون صعبة التحديد لأن أعراضها أقل حدة وقد لا يراها الشخص المصاب كمشكلة، بل يشعر خلالها بزيادة في الإنتاجية والطاقة.

كما أنه يمكن للخوف من الوصمة الاجتماعية المرتبطة بالأمراض النفسية أن يمنع بعض الأشخاص من طلب المساعدة أو الكشف عن جميع أعراضهم للطبيب.

كيف يتم علاج الاضطراب ثنائي القطب؟

من المهم جدًا أن نفهم أن الاضطراب ثنائي القطب هو حالة مزمنة تتطلب علاجًا طويل الأمد ومستمراً حتى خلال الفترات التي لا تظهر فيها الأعراض. يهدف العلاج إلى السيطرة على تقلبات المزاج وتقليل شدة وتكرار النوبات (سواء كانت هوسًا أو اكتئابًا) ومساعدة الشخص على عيش حياة طبيعية ومستقرة قدر الإمكان. وعادةً ما يكون العلاج مزيجًا من الأدوية والعلاج النفسي بالإضافة إلى تغييرات في نمط الحياة.

العلاج الدوائي

تعتبر الأدوية هي المفتاح في علاج الاضطراب ثنائي القطب وهي ضرورية لتحقيق استقرار المزاج. قد يستغرق الأمر بعض الوقت والتجربة للعثور على الدواء أو مجموعة الأدوية الأنسب لك وهذا يتطلب تعاونًا وثيقًا مع طبيبك.

من الضروري جدًا عدم التوقف عن تناول الدواء من تلقاء نفسك حتى لو شعرت بتحسن، لأن هذا يؤدي إلى عودة الأعراض أو تفاقمها. يجب دائمًا استشارة الطبيب قبل إجراء أي تغيير في خطة العلاج الدوائي.

هناك عدة فئات من الأدوية المستخدمة:

1- مثبتات المزاج (Mood Stabilizers)

هي النوع الأساسي من الأدوية المستخدمة حيث تعمل على السيطرة على نوبات الهوس والهوس الخفيف وتساعد في منع حدوث نوبات مستقبلية من الهوس والاكتئاب على حد سواء. من الأمثلة الشائعة ما يأتي:

  • الليثيوم (Lithium)
  • فالبروات الصوديوم (Valproate/Depakote)
  • لاموتريجين (Lamotrigine/Lamictal)
  • كاربامازيبين (Carbamazepine/Tegretol)

يعتبر الليثيوم فعالًا جدًا لكنه يتطلب مراقبة منتظمة لمستوياته في الدم لتجنب السمية وله آثار جانبية محتملة مثل العطش وكثرة التبول والرعشة ومشاكل في الغدة الدرقية أو الكلى.

أما الفالبروات فهو فعال أيضًا للهوس ولكن يجب استخدامه بحذر بسبب مخاطر محتملة على الكبد وتشوهات خلقية إذا تم تناوله أثناء الحمل. أما اللاموتريجين فيستخدم غالبًا لمنع نوبات الاكتئاب ولكنه يتطلب زيادة الجرعة ببطء شديد لتقليل خطر حدوث طفح جلدي خطير.

2- مضادات الذهان (Antipsychotics)

تستخدم هذه الأدوية بشكل شائع وخاصة الجيل الثاني (غير التقليدية). يمكنها علاج نوبات الهوس الحادة أو النوبات المختلطة وفي بعض الأحيان تستخدم لعلاج الاكتئاب ثنائي القطب كما تساعد في استقرار المزاج على المدى الطويل. ويمكن استخدامها بمفردها أو مع مثبتات المزاج.

تشمل الأمثلة الشائعة التالي:

  • أولانزابين (Olanzapine/Zyprexa)
  • كويتيابين (Quetiapine/Seroquel)
  • ريسبيريدون (Risperidone/Risperdal)
  • أريبيبرازول (Aripiprazole/Abilify)
  • لوراسيدون (Lurasidone/Latuda)
  • أسيناباين (Asenapine/Saphris)
  • كاريبرازين (Cariprazine/Vraylar)

من آثارها الجانبية المحتملة زيادة الوزن والنعاس وتغيرات في عملية الأيض (مثل ارتفاع سكر الدم أو الكوليسترول)، وفي حالات نادرة اضطرابات حركية.

3- مضادات الاكتئاب (Antidepressants)

تستخدم هذه الأدوية بحذر شديد لعلاج نوبات الاكتئاب في سياق الاضطراب ثنائي القطب. يجب دائمًا تناولها مع مثبت مزاج أو مضاد للذهان لأن استخدامها بمفردها يؤدي إلى تحفيز نوبة هوس أو هوس خفيف أو زيادة سرعة تقلب المزاج (التدوير السريع).

لا ينصح باستخدامها كعلاج وحيد للاضطراب ثنائي القطب وعادة ما تستخدم لفترة قصيرة فقط. من الأمثلة فلوكسيتين (Fluoxetine) - غالبًا كجزء من دواء مركب مثل Symbyax، وسيتالوبرام (Citalopram).

جدول الأدوية الشائعة لعلاج الاضطراب ثنائي القطب
نوع الدواء أمثلة شائعة الاستخدام الرئيسي
مثبتات المزاج (Mood Stabilizers)
  • ليثيوم (Lithium)
  • حمض الفالبرويك/ديفالبروكس (Valproic acid/Divalproex)
  • لاموتريجين (Lamotrigine)
  • كاربامازيبين (Carbamazepine)
  • علاج ومنع نوبات الهوس (خاصة الليثيوم والفالبروات).
  • علاج ومنع نوبات الاكتئاب (خاصة اللاموتريجين والليثيوم).
  • الوقاية طويلة الأمد من النوبات.
مضادات الذهان (Antipsychotics)
  • أولانزابين (Olanzapine)
  • ريسبيريدون (Risperidone)
  • كويتيابين (Quetiapine)
  • أريبيبرازول (Aripiprazole)
  • لوراسيدون (Lurasidone)
  • زيبراسيدون (Ziprasidone)
  • أسينيابين (Asenapine)
  • كاريبرزاين (Cariprazine)
  • علاج نوبات الهوس الحادة (غالبًا مع مثبت مزاج).
  • بعضها يستخدم للوقاية طويلة الأمد.
  • بعضها يساعد في علاج الاكتئاب ثنائي القطب (مثل كويتيابين، لوراسيدون، أولانزابين مع فلوكستين).
مضادات الاكتئاب (Antidepressants)
  • فلوكستين (Fluoxetine)
  • سيرترالين (Sertraline)
  • إسيتالوبرام (Escitalopram)
  • بوبروبيون (Bupropion)
  • تستخدم بحذر لعلاج نوبات الاكتئاب، ودائمًا مع مثبت مزاج أو مضاد للذهان لمنع تحفيز الهوس.
  • لا تستخدم بمفردها أبدًا.

أدوية أخرى

تستخدم أحيانًا أدوية مضادة للقلق (مثل البنزوديازيبينات) لفترة قصيرة للمساعدة في تخفيف القلق أو مشاكل النوم المصاحبة للنوبات الحادة، ولكن يجب استخدامها بحذر بسبب خطر الإدمان عليها.

العلاج المركب

في كثير من الحالات يحتاج الشخص إلى تناول أكثر من دواء واحد في نفس الوقت للسيطرة الفعالة على الأعراض. فمثلاً قد يصف الطبيب مثبت مزاج مع مضاد للذهان لعلاج الهوس أو مثبت مزاج مع مضاد للاكتئاب (بحذر) لعلاج الاكتئاب. يوجد أيضًا دواء مركب يجمع بين مضاد للذهان ومضاد للاكتئاب (مثل Symbyax) معتمد خصيصًا لعلاج الاكتئاب ثنائي القطب.

من المهم أن تتذكر أن العثور على الدواء أو مجموعة الأدوية المناسبة والجرعة الصحيحة قد يستغرق بعض الوقت ويتطلب تجربة ومتابعة دقيقة مع الطبيب. يجب عدم التوقف عن تناول الدواء أو تغيير الجرعة دون استشارة الطبيب حتى لو شعرت بتحسن. قد تسبب الأدوية آثارًا جانبية (مثل زيادة الوزن، أو النعاس، أو الرعشة، أو مشاكل في الجهاز الهضمي، أو تغيرات في وظائف الكلى أو الغدة الدرقية مع بعض الأدوية)، ومن المهم مناقشة هذه الآثار مع طبيبك لإيجاد الحلول المناسبة.

العلاج النفسي

العلاج النفسي - أو العلاج بالكلام - هو جزء لا يتجزأ من خطة العلاج الشاملة للاضطراب ثنائي القطب ويعمل جنبًا إلى جنب مع الأدوية. يساعدك العلاج النفسي أنت وعائلتك على فهم المرض بشكل أفضل وتعلم كيفية التعامل مع الأعراض، وتحديد المحفزات التي تؤدي إلى النوبات، وتحسين الالتزام بالعلاج، وتطوير استراتيجيات لمنع الانتكاسات.

هناك عدة أنواع من العلاج النفسي أثبتت فعاليتها:

  • التثقيف النفسي (Psychoeducation): يتضمن تعلم كل ما يتعلق بالاضطراب ثنائي القطب: طبيعته، وأعراضه، ومحفزاته، وأهمية العلاج. هذه المعرفة تمكنك أنت وأحبائك من التعامل مع الحالة بشكل أفضل والمشاركة بفعالية في خطة العلاج.
  • العلاج السلوكي المعرفي (Cognitive Behavioral Therapy - CBT): يساعدك هذا النوع من العلاج على تحديد وتغيير أنماط التفكير والسلوكيات السلبية التي تساهم في تقلبات المزاج. كما يعلمك مهارات عملية للتعامل مع التوتر والمواقف الصعبة وتحديد محفزات النوبات.
  • العلاج بالانتظام الشخصي والاجتماعي (Interpersonal and Social Rhythm Therapy - IPSRT): يركز هذا العلاج على أهمية الحفاظ على روتين يومي منتظم ومستقر فيما يتعلق بالنوم والاستيقاظ، ومواعيد الوجبات، والأنشطة اليومية. يساعد هذا الانتظام على تنظيم "الساعة البيولوجية" للجسم مما يساهم في استقرار المزاج.
  • العلاج الذي يركز على الأسرة (Family-Focused Therapy - FFT): يشرك هذا العلاج أفراد الأسرة في عملية العلاج. يهدف إلى تحسين التواصل داخل الأسرة وتعليم مهارات حل المشكلات، ومساعدة أفراد الأسرة على فهم المرض وتقديم الدعم الفعال للشخص المصاب، بما في ذلك التعرف على العلامات التحذيرية المبكرة للنوبات.

العلاج بالتخليج الكهربائي (ECT)

العلاج بالتخليج الكهربائي (Electroconvulsive Therapy - ECT) والذي كان يُعرف سابقًا بـ العلاج بالصدمة الكهربائية، هو خيار علاجي آمن وفعال يمكن اللجوء إليه في حالات معينة. يُستخدم عادةً عندما تكون نوبات الهوس أو الاكتئاب شديدة جدًا ولا تستجيب للأدوية، أو عندما تكون هناك خطورة عالية للانتحار أو في حالات خاصة مثل الحمل حيث قد تكون بعض الأدوية غير آمنة.

يتم إجراء هذا العلاج في المستشفى تحت التخدير العام. يتضمن تمرير تيار كهربائي قصير ومتحكم به عبر الدماغ مما يؤدي إلى حدوث نوبة صرع قصيرة ومُراقَبة. يُعتقد أن هذه العملية تساعد في إعادة توازن كيمياء الدماغ وتخفيف الأعراض بسرعة.

كيف يمكن التعايش مع الاضطراب ثنائي القطب؟

على الرغم من أن الاضطراب ثنائي القطب حالة مزمنة إلا أنه من الممكن جدًا العيش حياة طبيعية ومنتجة من خلال الالتزام بالعلاج واتباع استراتيجيات فعالة لإدارة الحالة. يتطلب الأمر منك أن تأخذ دورًا فعالًا في رعايتك الصحية.

الالتزام بخطة العلاج

الالتزام بالعلاج هو مفتاح النجاح في إدارة الاضطراب ثنائي القطب. هذا يعني تناول الأدوية تمامًا كما وصفها الطبيب، حتى عندما تشعر بأنك بحالة جيدة، لأن التوقف المفاجئ يسبب انتكاسة وعودة الأعراض بقوة.

للأسف تشير الإحصائيات إلى أن نسبة كبيرة من المصابين (أكثر من 50%) لا يلتزمون بالعلاج بشكل كامل مما يعرضهم لمخاطر أكبر. إذا واجهت آثارًا جانبية مزعجة تحدث مع طبيبك لإيجاد حلول بدلاً من التوقف عن الدواء.

من المهم - بالإضافة إلى الأدوية - حضور جلسات العلاج النفسي بانتظام والمتابعة الدورية مع فريق الرعاية الصحية الخاص بك.

بناء روتين منتظم

أحد أهم مفاتيح الاستقرار للأشخاص المصابين بالاضطراب ثنائي القطب هو الحفاظ على روتين يومي منتظم ومنظم قدر الإمكان. يساعد الروتين الثابت في تنظيم "الساعة البيولوجية" للجسم مما يساهم في استقرار المزاج وتقليل احتمالية حدوث نوبات.

يشمل ذلك بشكل خاص:

  • الحصول على قسط كافي من النوم والالتزام بمواعيد نوم واستيقاظ منتظمة يومياً حتى في عطلات نهاية الأسبوع. اضطراب النوم هو أحد أقوى المحفزات لنوبات الهوس والاكتئاب.
  • تناول وجبات منتظمة وصحية في أوقات محددة؛ حيث يساعد ذلك في الحفاظ على استقرار مستويات الطاقة والسكر في الدم.
  • ممارسة التمارين الرياضية بانتظام والتي تعمل على تحسين المزاج وتقلل القلق وتساعد على النوم بشكل أفضل.

إدارة التوتر

يعتبر التوتر والضغط النفسي من المحفزات الرئيسية لنوبات المزاج لدى مرضى الاضطراب ثنائي القطب. لذلك فإن تعلم وتطبيق تقنيات فعالة لإدارة التوتر أمر ضروري للحفاظ على الاستقرار. يمكن أن تشمل هذه التقنيات:

  • تمارين الاسترخاء (تنفس عميق، تأمل)
  • اليقظة الذهنية (تركيز على الحاضر)
  • ممارسة الهوايات الممتعة
  • إدارة الوقت وتحديد الأولويات

بناء شبكة دعم قوية

التعامل مع الاضطراب ثنائي القطب قد يكون صعبًا ومرهقًا ومن المهم ألا تحاول مواجهته بمفردك. بناء شبكة دعم قوية من الأشخاص الذين تثق بهم وتعتمد عليهم أمر حيوي. يمكن أن يشمل ذلك:

  • العائلة والأصدقاء: تحدث مع المقربين منك عن حالتك وكيف يمكنهم مساعدتك. يمكنهم تقديم الدعم العاطفي والمساعدة في التعرف على علامات الإنذار المبكر للنوبات وتشجيعك على الالتزام بالعلاج.
  • مجموعات الدعم: الانضمام إلى مجموعة دعم تضم أشخاصًا آخرين يعانون من الاضطراب ثنائي القطب يمكن أن يكون مفيدًا جدًا. يتيح لك ذلك مشاركة تجاربك وتعلم استراتيجيات تأقلم جديدة والشعور بأنك لست وحدك في مواجهة هذه التحديات.
  • الفريق الطبي: حافظ على تواصل منتظم مع طبيبك المعالج والمعالج النفسي، فهم شركاؤك في إدارة حالتك.

العناية بالنفس وتجنب المحفزات

تتضمن العناية بالنفس اتخاذ خطوات استباقية للحفاظ على صحتك الجسدية والنفسية. يشمل ذلك:

  • نظام غذائي صحي ومتوازن
  • تجنب الكحول والمخدرات
  • التعرف على المحفزات الشخصية وتجنبها
  • مراقبة الأعراض وعلامات الإنذار المبكر
  • وضع أهداف واقعية وتقسيم المهام
  • التعاطف مع الذات وقبول الحالة

إن تطبيق هذه الاستراتيجيات بشكل منتظم إضافة إلى الالتزام بالعلاج الطبي يمكن أن يحدث فرقًا كبيرًا في القدرة على التعايش مع الاضطراب ثنائي القطب والتمتع بحياة مستقرة ومُرضية.

الاضطرابات المصاحبة الشائعة

من الشائع جدًا أن يعاني الأشخاص المصابون بالاضطراب ثنائي القطب من حالات صحية نفسية أو جسدية أخرى في نفس الوقت. وتُعرف هذه الحالات بـ "الاضطرابات المصاحبة" أو "الاعتلال المشترك" (Comorbidities).

وجود هذه الاضطرابات المصاحبة يجعل تشخيص وعلاج الاضطراب ثنائي القطب أكثر تعقيدًا وقد يؤثر على مسار المرض ونتائجه. لهذا السبب من المهم جدًا أن يتم تقييم هذه الحالات ومعالجتها كجزء من خطة العلاج الشاملة.

من أكثر الاضطرابات المصاحبة شيوعًا مع الاضطراب ثنائي القطب:

  • اضطرابات القلق مثل اضطراب القلق العام، واضطراب الهلع، والرهاب الاجتماعي. يعاني الكثير من مرضى الاضطراب ثنائي القطب من أعراض قلق شديدة. يمكن للقلق أن يزيد من حدة تقلبات المزاج ويجعل التعامل معها أصعب.
  • اضطرابات تعاطي المواد المخدرة والكحول: معدلات إدمان الكحول والمخدرات أعلى بكثير لدى المصابين بالاضطراب ثنائي القطب مقارنة بعامة السكان. حيث قد يلجأ البعض إلى تعاطي هذه المواد كمحاولة للتداوي الذاتي من أعراض الاكتئاب أو الهوس ولكن هذا غالبًا ما يؤدي إلى تفاقم الحالة وتدهورها، كما يمكن أن يتداخل مع فعالية الأدوية. علاج إدمان المواد المخدرة ضروري جدًا لتحقيق استقرار المزاج.
  • اضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط (ADHD): يوجد تداخل كبير في الأعراض بين ADHD والاضطراب ثنائي القطب، خاصة عند الأطفال والمراهقين، مما قد يصعب التشخيص. كما أن وجود ADHD قد يؤثر على مسار الاضطراب ثنائي القطب.
  • اضطرابات الأكل مثل فقدان الشهية العصبي أو الشره المرضي العصبي، يمكن أن تتواجد مع الاضطراب ثنائي القطب.
  • اضطراب الكرب التالي للصدمة (PTSD): الأشخاص الذين تعرضوا لصدمات نفسية قد يكونون أكثر عرضة للإصابة بكل من PTSD والاضطراب ثنائي القطب.
  • المشاكل الصحية الجسدية: الأشخاص المصابون بالاضطراب ثنائي القطب لديهم خطر أعلى للإصابة ببعض الأمراض الجسدية مقارنة بغيرهم. تشمل هذه الأمراض:
    • أمراض القلب والأوعية الدموية.
    • مرض السكري.
    • السمنة.
    • مشاكل الغدة الدرقية.
    • الصداع النصفي أو الصداع المزمن.

هذا الارتباط بين الاضطراب ثنائي القطب والمشاكل الصحية الجسدية يكون ناتجًا عن عدة عوامل منها تأثير المرض نفسه على الجسم أو نمط الحياة (مثل قلة النشاط أو سوء التغذية) أو الآثار الجانبية لبعض الأدوية المستخدمة في العلاج (بعض مضادات الذهان قد تزيد من خطر زيادة الوزن والسكري وارتفاع الكوليسترول). هذا يؤكد على أهمية الرعاية الصحية المتكاملة التي تشمل مراقبة الصحة الجسدية بانتظام وإدارتها جنبًا إلى جنب مع الصحة النفسية.

كيفية التعامل مع وصمة العار المرتبطة بالاضطراب ثنائي القطب

للأسف لا تزال هناك وصمة عار (Stigma) تحيط بالأمراض النفسية بما في ذلك الاضطراب ثنائي القطب. تتمثل هذه الوصمة في الأفكار السلبية المسبقة والأحكام الخاطئة والتمييز الذي يواجهه الأشخاص المصابون بهذه الحالات. يمكن أن تأتي هذه الوصمة من المجتمع المحيط (وصمة عامة) أو حتى من الشخص نفسه تجاه حالته (وصمة ذاتية) حيث يشعر بالخجل أو الذنب.

تأثير وصمة العار يكون مدمرًا أحيانًا فقد تؤدي إلى الشعور بالخجل والعزلة والتردد في طلب العلاج أو التحدث عن الحالة وتقليل فرص العمل أو التعليم أو العلاقات الاجتماعية والتعرض للتنمر، وتفاقم الأعراض وصعوبة التعافي. يقول الكثيرون أن التعامل مع الوصمة أصعب أحيانًا من التعامل مع المرض نفسه.

استراتيجيات التغلب على وصمة العار

على الرغم من صعوبة مواجهة الوصمة إلا أن هناك خطوات يمكنك اتخاذها للتعامل معها وتقليل تأثيرها:

  • اطلب العلاج والتزم به ولا تدع الخوف من "التصنيف" أو حكم الآخرين يمنعك من الحصول على المساعدة التي تحتاجها. العلاج هو الخطوة الأهم لإدارة حالتك وتحسين نوعية حياتك.
  • ثقف نفسك والآخرين، فالمعرفة هي أقوى سلاح ضد الجهل والمعلومات الخاطئة. تعلم الحقائق حول الاضطراب ثنائي القطب وشارك هذه الحقائق مع الآخرين عندما يكون ذلك مناسبًا لتصحيح المفاهيم الخاطئة وتحدي الأفكار المسبقة.
  • لا تعزل نفسك، وتواصل مع الأشخاص الذين تثق بهم من عائلتك وأصدقائك أو انضم إلى مجموعات الدعم. مشاركة تجاربك تقلل من الشعور بالخجل وتوفر لك الدعم العاطفي الذي تحتاجه.
  • افصل بينك وبين المرض فأنت لست مرضك. استخدم لغة تضع الشخص أولاً (مثل: "أنا شخص لدي اضطراب ثنائي القطب" بدلاً من "أنا ثنائي القطب"). لا تدع التشخيص يحدد هويتك.
  • تحدث عن تجربتك (إذا كنت مرتاحًا لذلك)، فمشاركة قصتك الشخصية يمكن أن تكون تجربة تمكينية لك وتساعد في كسر حاجز الصمت والخوف لدى الآخرين، وتساهم في تثقيف المجتمع.
  • ركز على الجوانب الإيجابية، وتذكر أن الاضطراب النفسي هو جزء واحد فقط من حياتك وشخصيتك. اختر أن تركز على نقاط قوتك وإنجازاتك وعش حياتك بفخر بدلاً من الخجل.
  • انتبه للغة المستخدمة وكن واعيًا للكلمات التي تستخدمها لوصف حالتك أو حالات الآخرين. تحدى اللغة السلبية أو المهينة التي تسمعها من الآخرين أو تراها في وسائل الإعلام. الكلمات لها تأثير كبير.
  • ساعد في نشر الوعي بأن الأمراض النفسية هي حالات صحية حقيقية تمامًا مثل الأمراض الجسدية كالسكري أو أمراض القلب، وتستحق نفس القدر من الاهتمام والاحترام والتعاطف.

الأسئلة الشائعة

هنا نجيب عن بعض الأسئلة الشائعة التي قد تدور في ذهنك حول الاضطراب ثنائي القطب:

هل يمكن الشفاء التام من الاضطراب ثنائي القطب؟

لا يوجد حالياً علاج يشفي الاضطراب ثنائي القطب تماماً فهو يعتبر حالة مزمنة تستمر مدى الحياة. لكن هذا لا يعني اليأس حيث يمكن لمعظم الأشخاص السيطرة على الأعراض بشكل فعال وتقليل تأثير النوبات على حياتهم، والعيش حياة طبيعية ومنتجة، وذلك من خلال الالتزام بالعلاج المستمر (الذي يشمل عادةً الأدوية والعلاج النفسي) والدعم المناسب.

ما الفرق الرئيسي بين النوع الأول والثاني من الاضطراب ثنائي القطب؟

الفرق الجوهري يكمن في شدة نوبات "الارتفاع" المزاجي. النوع الأول (Bipolar I) يتميز بوجود نوبة هوس واحدة على الأقل وهي نوبة شديدة من الارتفاع المزاجي أو التهيج قد تؤثر بشكل كبير على حياة الشخص وقد تتطلب دخول المستشفى.

أما النوع الثاني (Bipolar II) فيتميز بوجود نوبات هوس خفيف (وهي أقل شدة من الهوس الكامل ولا تسبب عادة مشاكل كبيرة في الأداء اليومي) بالإضافة إلى نوبات اكتئاب شديد. الأشخاص المصابون بالنوع الثاني لم يمروا أبدًا بنوبة هوس كاملة.

هل يمكن للأشخاص المصابين بالاضطراب ثنائي القطب العيش حياة طبيعية؟

نعم يمكن ذلك. على الرغم من أن الاضطراب ثنائي القطب صعب ويتطلب إدارة مستمرة، إلا أن الغالبية العظمى من الأشخاص المصابين به يمكنهم أن يعيشوا حياة مُرضية ومنتجة ويحافظوا على علاقاتهم ويحققوا أهدافهم المهنية والشخصية من خلال الالتزام بخطة العلاج المناسبة وتطبيق استراتيجيات التعايش الفعالة (مثل الحفاظ على روتين منتظم وإدارة التوتر) والحصول على الدعم اللازم من العائلة والأصدقاء والفريق الطبي.

هل الأدوية هي العلاج الوحيد للاضطراب ثنائي القطب؟

الأدوية وخاصة مثبتات المزاج لها دور أساسي ومهم في علاج الاضطراب ثنائي القطب والسيطرة على تقلبات المزاج. لكنها ليست العلاج الوحيد، فالعلاج النفسي بأنواعه المختلفة (مثل العلاج السلوكي المعرفي والعلاج المتمركز حول الإيقاع الاجتماعي) يعتبر جزءًا مهمًا جدًا من خطة العلاج الشاملة حيث يساعد الشخص على فهم مرضه وتطوير مهارات التأقلم وإدارة حياته بشكل أفضل. كما أن استراتيجيات التعايش الذاتي والدعم الاجتماعي لها دور كبير في تحقيق الاستقرار على المدى الطويل.

الخاتمة

الاضطراب ثنائي القطب هو حالة صحية نفسية معقدة تتميز بتقلبات مزاجية حادة بين الهوس (أو الهوس الخفيف) والاكتئاب. له أنواع مختلفة وينتج عن تفاعل بين عوامل وراثية وبيولوجية وبيئية. ورغم أنه حالة مزمنة إلا أنه قابل للإدارة بشكل كبير.

الخبر السار هو أن هناك علاجات فعالة متاحة تشمل الأدوية (خاصة مثبتات المزاج) والعلاج النفسي بأنواعه المختلفة بالإضافة إلى استراتيجيات تغيير نمط الحياة. التشخيص المبكر والالتزام المستمر بخطة العلاج يحسنان النتائج بشكل كبير ويسمحان للأشخاص المصابين بالاضطراب ثنائي القطب بأن يعيشوا حياة كاملة ومرضية.

إذا كنت تعاني من أعراض قد تشير إلى الاضطراب ثنائي القطب أو كنت تعرف شخصًا يعاني منها، فلا تتردد في طلب المساعدة من طبيب أو أخصائي صحة نفسية. تذكر أن طلب المساعدة هو علامة قوة وأن الدعم متاح. فمن خلال العلاج المناسب والدعم الاجتماعي والعناية الذاتية والعمل على مكافحة وصمة العار يمكن التغلب على تحديات الاضطراب ثنائي القطب والعيش بأمل وتفاؤل.

إخلاء مسؤولية: المعلومات المقدمة في هذا المقال هي لأغراض تثقيفية فقط ولا تعتبر بديلاً عن الاستشارة الطبية المتخصصة أو التشخيص أو العلاج. يجب دائمًا استشارة الطبيب أو مقدم رعاية صحية مؤهل بخصوص أي أسئلة لديك حول حالة طبية. لا تتجاهل المشورة الطبية المتخصصة أو تتأخر في طلبها بسبب ما قرأته هنا.

المراجع:

National Institute of Mental Health (NIMH). Bipolar Disorder. Updated Dec 2024. Accessed May 1, 2025. https://www.nimh.nih.gov/health/topics/bipolar-disorder

Mayo Clinic. Bipolar disorder. Updated Aug 14, 2024. Accessed May 1, 2025. https://www.mayoclinic.org/ar/diseases-conditions/bipolar-disorder/symptoms-causes/syc-20355955

World Health Organization (WHO). Bipolar disorder. Published Feb 8, 2024. Accessed May 1, 2025. https://www.who.int/news-room/fact-sheets/detail/bipolar-disorder

American Psychiatric Association (APA). What Are Bipolar Disorders? Updated April 2024. Accessed May 1, 2025. https://www.psychiatry.org/patients-families/bipolar-disorders/what-are-bipolar-disorders

Nierenberg AA, Agustini B, Köhler-Forsberg O, et al. Diagnosis and Treatment of Bipolar Disorder: A Review. JAMA. 2023;330(14):1370-1380. doi:10.1001/jama.2023.18588

Grande I, Berk M, Birmaher B, Vieta E. Bipolar disorder. Lancet. 2016;387(10027):1561-1572. doi:10.1016/S0140-6736(15)00241-X

Fornaro M, Anastasia A, De Berardis D, et al. Bipolar disorders: an updated narrative review with a special focus on clinical features, illness course, and treatments. J Pers Med. 2024;14(3):282. doi:10.3390/jpm14030282

National Alliance on Mental Illness (NAMI). Bipolar Disorder. Accessed May 1, 2025. https://www.nami.org/about-mental-illness/mental-health-conditions/bipolar-disorder/

ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إعلان أول الموضوع

إعلان وسط الموضوع

إعلان أخر الموضوع

Back to top button